فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَعْنْدَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى} يعلم أن صاحبه يتحمل عنه.
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ موسى وإبراهيم الذي وفى} وفى وأتم ما التزمه وأمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله، وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة، فقال أما إليك فلا، وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخًا يرتاد ضيفًا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم، وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم.
{أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلًا مما {فِى صُحُفِ موسى}، أو الرفع على هو أن {لا تَزِرُ} كأنه قيل ما في صحفهما؟ فأجاب به، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله: {كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا} وقوله عليه الصلاة والسلام، «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره.
{وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله، وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه.
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى} أي يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون مصدرًا وأن تكون الهاء للجزاء المدلول عليه بيجزى و{الجزاء} بدله.
{وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} انتهاء الخلائق ورجوعهم، وقرئ بالكسر على أنه منقطع عما في الصحف وكذلك ما بعده.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} لا يقدر على الإِماتة والإِحياء غيره فإن القاتل ينقض البنية والموت يحصل عنده بفعل الله تعالى على سبيل العادة.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تدفق في الرحم أو تخلق، أو يقدر منها الولد من منى إذا قدر.
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} الإِحياء بعد الموت وفاء بوعده، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {النشاءة} بالمدة وهو أيضًا مصدر نشأ.
{وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطى القنية وهو ما يتأثل من الأموال، وإفرادها لأنها أشرف الأموال أو أرضى وتحقيقه جعل الرضا له قنية.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} يعني العبور وهي أشد ضياء من الغميصاء، عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وخالف قريشًا في عبادة الأوثان، ولذلك كانوا يسمون الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة، ولعل تخصيصها للإِشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضًا في عبادتها.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى} القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكًا بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام. وقيل {عَادًا الأولى} قوم هود وعاد الأخرى إرم. وقرئ {عَادًا لولي} بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى لام التعريف وقرأ نافع وأبو عمرو {عَادًا لولي} بضم اللام بحركة الهمزة وبادغام التنوين، وقالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو.
{وَثَمُودَاْ} عطف على {عَادًا} لأن ما بعده لا يعمل فيه، وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف.
{فَمَا أبقى} الفريقين.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أيضًا معطوف عليه.
{مِن قَبْلُ} من قبل عاد وثمود.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من الفريقين لأنهم كانوا يؤذونه وينفرون عنه ويضربونه حتى لا يكون به حراك.
{والمؤتفكة} والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهي قرى قوم لوط.
{أهوى} بعد أن رفعها فقلبها.
{فغشاها مَا غشى} فيه تهويل وتعميم لما أصابهم.
{فَبِأَىّ آلاَءِ رَبّكَ تتمارى} تتشكك والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد والمعدودات وإن كانت نعمًا ونقمًا سماها {ءالاء} من قبل ما في نقمه من العبر والمواعظ للمعتبرين، والانتقام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين.
{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الأولى} أي هذا القرآن إنذار من جنس الإِنذارات المتقدمة، أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين.
{أَزِفَتِ الأزفة} دنت الساعة الموصوفة بالدنو في نحو قوله تعالى: {اقتربت الساعة}.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله لكنه لا يكشفها، أو الآن بتأخيرها إلا الله، أو ليس لها كاشفة لوقتها إلا الله إذ لا يطلع عليه سواه، أو ليس لها من غير الله كشف على أنها مصدر كالعافية.
{أَفَمِنْ هذا الحديث} يعني القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكارًا.
{وَتَضْحَكُونَ} استهزاء.
{وَلاَ تَبْكُونَ} تحزنًا على ما فرطتم.
{وَأَنتُمْ سامدون} لاهون أو مستكبرون من سمد البعير في مسيره إذا رفع رأسه، أو مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من الثمود وهو الغناء.
{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} أي واعبدوه دون الآلهة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة النجم أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وجحد به بمكة». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)}.
التفسير: لما ختم السورة المتقدمة بالنجوم خص الأقسام في أول هذه السورة بالنجم واللام فيه للعهد أو للجنس. والأول قول من قال: إنه الثريا وهو اسم غالب لها وصورتها في السماء كعنقود عنب. وأظهر كواكبها سبعة وهي المنزل الثالث من منازل القمر. قال: إذا طلع النجم عشاء ابتغى الراعي كساء. وذلك أن الشمس تكون في أول العقرب حينئذ في مقابلتها فتطلع بغروبها. وعلى الثاني فيه وجوه أحدها. نجوم السماء وهويها غروبها. وفائدة هذا القيد أن النجم إذا كان في وسط السماء لم يهتد به الساري لأنه لا يعلم المغرب من المشرق والجنوب من الشمال، فإذا مال إلى الأفق عرف به هذه الجهات والميل إلى أفق المغرب أولى بالذكر من الناظر إليه حينئذ يستدل بغروبها على أفوله في حيز الإمكان فيتم له اهتداء الدين مع اهتداء الدنيا. وقيل: هويها انتثارها يوم القيامة. وثانيها النجم هو الذي يرجم به الشياطين وهويها نقضاضها. وثالثها النجم النبات إذا هوى إذا سقط على الأرض وهو غاية نشوة. ورابعها النجم أحد نجوم القرآن وقد نزل منجمًا في عشرين سنة فيكون كقوله: {والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} [يس: 2، 3] وعلى القول الآخر فالثريا أظهر النجوم عند الناظرين وأشهر المنازل للسائرين وأنها تطلع عشاء في وقت إدراك الثماء. والنبي صلى الله عليه وسلم تميز من سائر الأنبياء بالمعجزات الباهرات ولا سيما فإنه حين ظهر زال يبس الكوك وحرارة الحمية الجاهلية وأدرك الحكمة ورجم به شياطين الإنس المضلين لعباد الله في أرضه، ونبت بوجوده أصناف الأغذية الروحانية تامة كاملة. قال جار الله: الضلال نقيض الهدى، والغي نقيض الرشد، والخطاب لقريش. قلت: هذا صادق من حيث الاستعمال لقوله: {قد تبين الرشد من الغي} [البقرة: 256] {من يضلل الله فلا هادي له} [الأعراف: 186] إلا أنه ينبغي أن يتبين لافرق بين الضلال والغواية. والظاهر أن الضلال أعم وهو أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقًا أصلًا، والغواية أن لا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم ولهذا لا يقال للمؤمن من إنه ضال أو غير مهتد ويقال له إنه غوي غير رشيد. قال عز من قائل: {فإن آنستم منهم رشدًا} [النساء: 6] فكأنه سبحانه نفى الأعم أولًا ثم نفى الأخص ليفيد أنه على الجادة غير منحرف عنها أصلًا. ويحتمل أن يكون قوله: {ما ضل} نفيًا لقولهم هو كاهن أو مجنون لأن الكهانة أيضًا من مسيس الجن.
وقوله: {وما غوى} نفي لقولهم هو شاعر والشعراء يتبعهم الغاوون. ويحتمل أن يكون الأول عبارة عند صلاحه في أمور المعاد، والثاني إشارة إلى رشده في أمور المعاش ومنه يعلم أن أقواله كلها على سنن الصواب إلا أنه كان يمكن أن تكون مستنبطة من العقل أو العرف أو العادة، فأسندها الله سبحانه إلى طريق أخص وأشرف وهو أن تكون مستندة إلى الوحي فقال بصيغة تفيد الاستمرار {وما ينطق عن الهوى} أي ليس كل ما ينطق به ولا بعضه بصادر عن الرأي والتشهي إنما وحي يوحى إليه من الله، واستدل به بعض من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، وأجيب بأن الله تعالى إذا سوغ له الاجتهاد كان لك من قبيل الوحي أيضًا. وأما من يخص النطق بالقرآن فلا اعتراض عليه. قال أهل اللغة: الهوى المحبة النفسانية، والتركيب يدل على النزول والسقوط ومنه الهاوية. ومبة النفس الأمارة لا أصل لها ولا تصدر إلا عن خسة ودناءة، وقوله: {إن هو إلا وحي} أبلغ مما لو قيل هو {وحي} وهو ظاهر. وقوله: {يوحى} لتحقيق الحقيقة كقوله: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38] فإن الفرس الشديد العدو بما يقال إنه طائر، فإذا قيل يطير بجناحيه زال جواز ذلك المجاز فكذلك هاهنا ربما يقال للكلام الصادق الفصيح هو وحي أو سحر حلال. فلما قيل {يوحى} اندفع التجوز. ثم بين طريق الوحي بقوله: {علمه} أي الموحي أو محمدًا {شديد القوى} وهو جبرائيل عليه السلام أي قواه العلمية والعملية كلها شديدة مدح المعلم ليلزم منه فضيلة المتعلم.
ولو قال (علمه جبرائيل عليه السلام) لم يفهم منه فضل المتعلم ظاهرًا. وفيه رد على من زعم أنه يعلمه بشر لأن الإنسان خلق ضعيفًا وما أوتي من العلم إلا قليلًا. وفيه أن جبرائيل عليه السلام أمين موثوق به من حيث قوته المدركة والحافظة ولو كان مختل الذهن أو الحفظ لم يوثق بروايته، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم كيلا يضيق صدره حين علم بواسطة الملك فكأنه قيل له: ليس لك في ذلك نقص لأنه شديد القوى على أنه قال في موضع آخر {وعلمك ما لم تكن تعلم} [النساء: 113] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حاله فقال «أدبني ربي فأحسن تأديبي» والمرة القوة. والظاهر أنها القوة الجسمانية كقوله: {وزاده بسطة في العلم والجسم} [البقرة: 247] فمن قوته أنه قلع قريات قوم لوط وقلبها بجناحه، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، وكان ينزل إلى الأنبياء ويصعد في لمحة. ويجوز أن يراد بقوله: {شديد القوى} قواه الجسمانية وبقوله: {ذو مرة} القوى العقلية. والتنكير للتعظيم. قوله: {فاستوى} المشهور أن فاعله جبرائيل عليه السلام أي فاستقام على صورته الحقيقية دون صورة دحية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له في الأفق الأعلى أي الأشرف وهو الشرقي {ثم دنا} جبرائيل من الرسول صلى الله عليه وسلم على الصورة المعتادة {فتدلى} قيل: فيه تقديم وتأخير أي فتعلق عليه في الهواء ثم دنا منه.
وقيل: دنا أي قصد القرب من محمد أو تحرك من المكان الذي كان فيه، فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: تدلت اثمرة ودلى رجليه من السرير وقد يقال: الدنو والتدلي بمعنى واحد فلا يفيد إلا التأكيد. ثم زاد تأكيدًا بقوله: {فكان قاب قوسين} قال أهل العربية. هو من باب حذف المضافات أي فكان مقدار مسافة قرب جبرائيل عليه السلام مثل {قاب قوسين}. والقاب والقيب والقاد والقيد والقيس كلها المقدار. والعرب تقدر الأشياء بالقوس والرمح والسوط والذراع والباع وغيرها. وفي الحديث «لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين» وقال صلى الله عليه وسلم «لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها» والقد السوط. وقوله: {أو أدنى} أي في تقديركم كقوله: {مائة ألف أو يزيدون} [الصافات: 147] وقال بعضهم: الضمير في {فاستوى} لمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن تعليم جبرائيل إياه كان قبل كماله واستوائه، فحين تكاملت قواه النظرية والعلمية وصار بالأفق الأعلى أي بالرتبة العليا من المراتب الإنسانية دنا من الأمة فتدلى أي لان لهم ورفق بهم حتى قال: {إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ} [الكهف: 110] فكان الفرق بينه وبين جبرائيل قليلًا جدًا. وعلى هذا يمكن أن يكون الرجحان في الكمال للنبي صلى الله عليه وسلم كما يقول أكثر أهل السنة، أو بالعكس كما تزعم طائفة منهم ومن غيرهم، ويحتمل على هذا القول أن يكون الضمير في {دنا} لجبريل والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن زال عن الصفات البشرية من الشهوة والغضب والجهل وبلغ الأفق الأعلى الإنساني، ولكن نوعيته لم تزل عنه وكذلك جبرائيل.
وإن ترك اللطافة المانعة من الرؤية ونزل إلى الأفق الأدنى من الآفاق الملكية ولكن لم يخرج عن كونه ملكًا فلم يبقى بينهما إلا اختلاف حقيقتهما نظيره {ولقد رآه بالأفق المبين} [التكوير: 23] أي رأى جبرائيل وهو أي محمد بالأفق الفارق بين درجة الإنسان ومنزلة الملك كقول القائل: (رأيت الهلال على السطح) أي وأنا على السطح. وقد يجعل ذكر القوس عبارة عن معنى آخر هو أن العرب كانوا إذا عاهدوا فيما بينهم طرحوا قوسًا أو قوسين لتأكيد العهد بين الاثنين، فأخبر الله سبحانه أنه كان بين جبرائيل ومحمد عليه الصلاة والسلام من المحبة وقرب المنزلة مثل ما تعرفونه فيما بينكم عند المعاقدة. وقيل: الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لله والمراد قرب المكان بينهما.
وهذا يشبه مذهب المجسمة إلا أن يقال: دنا دنو ألفة ولا دنو زلفة. دنا دنو إكرام لا دنو أجسام، دنا دنو أنس لا دنو نفس. والقوسان أحدهما صفة الحدوث والأخرى صفة القدم. أخبر بالقصة إكرامًا وكتم الإسرار عظامًا.
قوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} الضمير في الفعلين إما لله أو لجبرائيل، والمراد بالعبد إما محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل عليه السلام فيحصل تقديرات أحدها: فأوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى وفيه تفخيم لشأن الوحي. وقيل: أوحى إليه الصلاة. وقيل: أوحى الله إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها. وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. والظاهر أنها أسرار وحقائق ومعارف لا يعلمها إلا الله ورسوله. ثانيها فأوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى أولًا جبرائيل يعني أن الوحي كان ينزل عليه أولًا بواسطة جبرائيل وقد ارتفعت الآن تلك الواسطة. وعلى هذا يحتمل أن يقال: {ما} مصدرية أي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم الإيحاء أي العلم بالإيحاء كي يفرق بين الملك والجن. أو كلمة أنه وحي أو خلق فيه علمًا ضروريًا. ثالثها فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى. رابعها فأوحى الله إلى جبرائيل ما أوحى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء قبله. وفيه إشارة إلى أن جبريل عليه السلام أمين لم يجن قط في شيء مما أوحى إلى الأنبياء. خامسها فأوحى فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه. سادسها فأوحى جبرائيل إلى عبد الله ما أوحى هو. وفي هذين الوجهين لا يمكن أن يراد بالعبد إلا محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} الأشهر أن اللام للعهد وهو فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك. ولو قال ذلك لكان كاذبًا لأنه عرفه. ومن قرأ بالتشديد فظاهر أي صدق فؤاده ما عاينه ولم يشك في ذلك. وقيل: اللام للجنس والمراد أن جنس الفؤاد لا ينكر ذلك وإن كان الوهم والخيال ينكره. والمقصود نفي الجواز لا نفي الوقوع كقوله: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] {وما ربك بغافل} [الأنعام: 132] بخلاف قوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} [التوبة: